09‏/01‏/2012

جُنون كلماتي [2]




رمقني ياسر بنظرة لم افهم مغزاها وهو يتحدث مع تلك الفتاة ، لا أعلم حقاً ما الذي يجول في رأسه ، أو ربّما هو يعلم ماذا يجول في رأسي .

دعا تلك الفتاة للدخول إلى منزلهم وأنهى أبي الحديث مع والده ثم أغلقنا البابين ..!
في تلك الليلة لا أُنكر أن ياسر كان يسيطر على تفكيري بل حتى راودني طيفه في حُلم ، سيطرته تلك على تفكيري تؤرقني وتقض مضجعي ...

ثمّ حلّ الصباح ..!

بطبيعة الحال أنا لم أنم جيّداً ، نهضت وأعددت القهوة لي ولوالديّ ثم غادرتُ للعمل ..
كان هناك شابٌ ينتظرني كل يوم في الشارع ويتبعني ، لم أكن أعيره أي اهتمام ولم أشأ أن أُخبر أبي عن الموضوع ، واليوم أيضاً وجدته ، كان يتبعني كعادته ويحاول أن يجلب انتباهي .
فجأة وبدون سابق إنذار وجدتُ سيارة تمشي بجانبي ، تلك الجثة نزلت من السيارة !! ما الذي جاء به إلى هُنا
تقدم من الشاب وانهال عليه ضرباً حتى تكسرت أضلاعه ، وضعت يدي على فمي وبدأتُ أصرخ بذلك الجدار ،
" توقف ماذا تفعل "
جاء صوته مباغتاً لي سبب لي رعباً لن أنساه ما حييت
" ليس من شأنك اصعدي للسيارة حالاً ..!
كان في حالة جنونية ، ترك الشاب مُغماً عليه من شدة الضرب ثم أتى إلى السيارة ، شغّل المحرك وانطلق بسرعة كبيرة ..

كان يتمتم بشتائمٍ مستمرة لم أفهمها إطلاقاً

" هذا الحقير ، كيف يجرؤ ! ، سأقضي عليهم جميعاً ، لن أدعهم يعيشون بسلام أولئك الحثالة ، ألم يكتفوا بما حدث سابقاً ، اللعنة عليهم !!! "

وفجأة توقف وغادر السيارة ، أعتقدُ أنه يحتاجُ للقليل من الهواء كما أحتاجه أنا ، تبعته بهدوء وتوتر

نبضات قلبه تفوق المائة صدره في حركات غير مستقرة وعيونه كأنها عيون وحشٍ غاضب ثائر ..

اقتربت منه على حذر

بصعوبة وبتلبك وتأتأة نطقت

" ماذا هناك ؟ "

التفتَ لي وكأنه رآني للتو ولم يكن يدرك وجودي سابقاً

وبصوتٍ قوّي صرخ في وجهي

" منذ متى وذلك الحيوان يتبعك ؟ "

قوّة صوته تلك أفقدتني أعصابي لم أعد أدري ماذا أقول

" منذ شـ ش ش ش هـر "

" ولماذا لم تخبري أي أحد ؟ "

" لم أشعر أن الموضوع مهم "

تقدم نحوي والغضب يسيطر على جسده ، أمسك بكلتا يديه بكتفي وصرخ قائلاً :

" كانت هيَ كذلك لا تعتبر الأمر مهماً على الإطلاق ، لم تخبرني حتى ، وعندما أسألها إن كانت بحاجة إلى شيء كانت تشكرني وتقول لا تقلق أنا بخير ، كنت أقرأُ أموراً غير مكتملة في عينيها كنت أشعرُ بشيء غريب إلا أنها لم تخبرني لقد اختطفها وقتلها ذلك المجرم السفاح ، فقدتها وأصبحتُ وحيداً "

شعرتُ حينها بقواي تنهار ، لم أعد أشعر بالهواء ولا بحركات جسدي ، كانت يداه تشل حركتي وتؤلمني جداً ، لم يكن يشعرُ أنه يؤلمني ، بدأت صورته تتلاشى وعيناي تُغلق ..

لا أعلمُ ما الذي جرى بعد ذلك ، كل ما أعلمه أنني وجدتُ نفسي في المستشفى وأمي وأبي بجانبي .

لقد سألاني باستمرار عن الذي حدث وماذا كنت أفعل مع ياسر حيث أنه من أحضرني إلى المستشفى ، أخبرتهم أنني سأقول لهم كل شيء بالتفصيل لاحقاً فأنا متعبةٌ جداً الآن .

بعد قليل طُرقَ الباب ، ودخل ذلك الجدار أقصد
" ياسر " ..

كان يحمل في يديه باقة ورد جميلة وترافقه تلك الحسناء التي تدعى ماسه ..
تقدم نحوي بهدوء ، الرعب سيطر على أوصالي وبدأت دقات قلبي تزداد ، لم يلاحظ أحد ذلك إلا هو ، وضع الورد بجانبي سريعاً ثم ابتعد .

منذُ ذلك اليوم لم أره إطلاقاً ولم يعد ذلك الشاب يتبعني ربّما أصابته عاهة مستديمة من شدة الضرب من ذلك المتوحش .

أنهيتُ عملي وتوجهت للبيت صادفت ماسه على باب شقة ياسر تهم بالدخول ، ألقت السلام علي وقالت :

" هل من الممكن أن تعطيني رقم هاتفك فأنا أود أن أدعوك للغداء ، "
" وما هي المناسبة "
" لا شيء فقط أود التعرف على أصدقاء جدد إن لم يكن لديك مانع "
ابتسمتُ وقلت :
" بكل سرور "
أخذت ماسه رقم هاتفي ثم دخلتُ إلى البيت ..

بعد يومين رنّ هاتفي وكان يوم إجازة ، كانت المتصلة ماسة وقد طلبت أن أقبل دعوتها للغداء اليوم ، لقد ألحت عليّ كثيراً ولم أستطع في النهاية إلا الموافقة .

لغاية الآن لا أعلمُ علاقتها بذلك المجنون ياسر ..

جهزت نفسي ثم فتحت باب منزلنا كانت ماسة تنتظرني على الباب
قالت مجاملة إياي :
" ما هذا الجمال ؟! "
" هههههه كُفّي عن ذلك أنت أجمل بكثير "

هناك سيارةٌ تنتظرنا أمام باب العمارة و ذلك الجدار يقبعُ بداخلها !! ماذا يفعل هنا ..

" ياسمين سيوصلنا ياسر إن لم يكن لديك مانع "

بلى لديّ مانع ، في آخر مرة رافقته في السيارة كاد أن يقتلني وانتهى بي الأمرُ في المستشفى
كان ذلك حديثاً مخفياً مع نفسي يا لي من مجنونة

" حسناً لا بأس "

صعدنا إلى السيارة لم تتحرك شفاهي إطلاقاً ، كلّما أنظرُ إلى المرآة أجده ينظرُ نحوي ، ما باله لا ينظر لتلك الجميلة الجالسة بجانبه !!

نطق ياسر أخيراً " لقد وصلنا تفضلا سألحق بكما حالاً "

لم أفهم كلامه جيّداً واتجهت أنا وماسه لنجلس ، دقائق قليلة فقط ليبدأ هاتف ماسه بالرنين
" أين أنت لا أراك ، هااا رأيتك "

وأغلقت الخط !
نظرتُ خلفي لأجد ياسر يقف هناك ، نظرتُ إلى ماسه وعلامات التعجب تلفح وجهي تفسيراً لما يحدث ؟؟
وقفت ماسه واقتربت مني وهمست في أذني قائلة :

" أعتذرُ لك يا صديقتي ولكن المجنون يودّ التحدث معك "

" ما ما ماذا تـقو .."
قبل أن أُكمل غادرت ماسه

وتوجه ذلك الحائط للجلوس مكانها ،

نطق ليُذهب الدهشة التي تعانق تفاصيل وجهي قائلاً :

" أعتذرُ على الطريقة العجيبة في ترتيب الموعد "

" ماذا هناك ياسر ؟! "

" كل ما هنالك أنني أودّ أن أشرح لك ماذا حدث في ذلك اليوم وما سبب تصرفي "

" هذا لا يهم "

ضرب بيده على الطاولة وقال بحزم " بل يهم "

حينها بدأ الخوف يعتليني من جديد فقلتُ له

" بلى يُهم أخبرني "

كان ذلك الرد لتلاشي غضبه ليس إلا ..


" منذ ست سنوات كان لي أختٌ جميلة تبلغ السابعة عشر من العمر تُدعى عُروب ، أحببتها جداً ، هي كل شيء في حياتي ، كانت الأمل الذي ينير كل شيء من حولي ، في يوم من الأيام لاحظتُ أنها تشردُ كثيراً سألتها مراراً وتكراراً عن سبب ذلك ، لم تكن تنطق بشيء فقط كانت تطمئنني وتخبرني أن ذلك بسبب الاختبارات ، شككتُ بكلامها وبعد يومين كنتُ أسيرُ في شارعنا فقال لي أحدهم ، ما أخبار ذلك الشاب الذي يتبع أختك كل يوم هل أبلغتم الشرطة عنه ؟؟! انتابني جنون حينها وعلمتُ أن ذلك ما تخفيه أختي عني ، عدت إلى البيت أنتظرها ، كان موعد عودتها من المدرسة ، انتظرنا كثيراً ، وحلّ الليل ولم تعد ، لم أكن مطمئناً غادرتُ المنزل أُفتش عنها كالمجنون ولم أجدها ، في اليوم التالي ، اتصلت بنا الشرطة وأخبرتنا أنها وجدت فتاةً تطابق المواصفات التي أخبرنا عنها ، ذهبنا إلى المستشفى ، وهناك رأيتها ، كانت في وضعٍ يرثى له ، جروح وندوب على وجهها ليس لها أول من آخر ، صُعقت عند رؤيتها ، كانت فاقدة الوعي وتُتمتم باسمي فقط ..! اقتربت منها وأمسكت يدها ، بكيتُ كثيراً حينها ، جلستُ عندها أدعو الله أن تستيقظ وتكلمني ، شعرتُ بشيء يشدّ على يدي ، وبصوت مخنوق يذكرُ اسمي

" يـ اا سـ ر "

____________________
* نستقبل آرائكم وملاحظاتكم هنا ، علّق بما شئتَ بما يخص الألفاظ وطريقة السرد والتعابير ، فذلك سيكون لصالحنا .
* نستقبل التعليقات أيضاً في جوجل +

  يُتبع ... الجزء الأخير ،


4 التعليقات:

بلسم حياتى يقول...

قصة رائعة
اسلوب القصة اروع
ولكن لى بعض التعليقات
لى عودة ان شاء الله

Wala'a Makhlouf يقول...

@بلسم حياتى

بلسم حياتي .. أهلا بتواجدكم ،
بانتظار عودتكم وتعليقاتكم :)

غير معرف يقول...

انها قصة جميلة و روعة جدا و صحيح ان اسلوب القصة اروع

Wala'a Makhlouf يقول...

@غير معرف

أهلاً بأصغر متابعينا
:)

إرسال تعليق