04‏/09‏/2011

صديقُ روحي ،~

 
 
فاجأني شكله , فلقد أصبح كئيباً شاحباً مصفراً ,, كنت قد اضطررت للسفر عن المدينة لسنوات , ودعته وأنا على أمل اللقاء به مجدداً وهو في أحسن الأحوال ,

لم ينقطع الاتصال بيني وبينه بالرغم من سفري .

فلقد كنت أبعث له برسائلي دوماً وكان يبادلني برسائل تدل على أنه في أحسن حال

كان يذكر في جميع رسائله ذكريات الطفولة وأنه قد اشتاق إليّ كثيراً , طلب مني العودة مرات ومرات

ولكن عملي ودراستي كانت تقتضي أن أبقى في تلك البلاد لمدة طويلة .


في إحدى رسائله ذكر موقفاً طريفاً حصل معنا في أيام الثانوية , كنا من المشاغبين في المدرسة دوماً

, وفي إحدى الأيام قررنا أن نوقع المعلم في موقف محرج , كنا نعلم أنه يخشى القطط كثيراً , وقد كان صديقي يمتلك قطة ,

فلم يكن منّا إلا أن وضعناها في الصف وبالتحديد في خزانة بالقرب من مقعد المعلم , أصيبت القطة بالرعب هناك فأصدرت أصوات كثيرة ,

كان يعتقد المعلم بأن أحد الطلاب يفتعل تلك الأصوات , إلا أنه في آخر لحظة ذهب إلى تلك الخزانة وفتحها , وبدأ صوته يعلو أبعدوها أبعدوها ,

صوت قهقهة الطلاب وصلت للمدير , فجاء مسرعاً وأخرجها ثم علم من وراء هذا الموقف

, فاستدعى آبائنا , كنت أحبه جدا وكان يبادلني الحب ذاته , فكان كل منا يلقي اللوم على نفسه ولم يشأ أن يوقع الآخر في ورطة .

كانت تلك آخر رسالة جاءت منه , ضحكت كثيراً عندما قرأتها فيا لها من أيام , ولكن رسالته تلك دعتني للقلق ,

ذكر جملة غريبة , قال :" ألن تأتي لرؤيتي قبل أن أسافر " أين سيسافر هذا المجنون !! لم يخبرني بهذا الشيء من قبل .


أخذت إجازة من عملي , وكنت قد انهيت امتحاناتي , أعددت حقائبي وتوجهت إلى المطار ,

وأخيراً أنا في بلدي , أخذت نفساً عميقاً جدّاً , لم أفكر حتى في أهلي ,


انطلقت مسرعاً إلى بيت صديقي , طرقت الباب كالمجنون , هيّا افتح لي أين أنت , وأخيراً فُتح الباب !!

ملامح الدهشة ارتسمت على وجهه , انهال عليّ فجأة وحضنني بقوة , آه أين كنت يا صديقي , لقد كنت أحتاج إليك , قالها والدموع تملأ عيناه .

أجبته قائلاً : ما بك يا رجل , ها أنا هنا , ادخل هيّا وسنتحدث في الداخل .

جلسنا وتحدثنا كثيراً , أخبرته بمواقع طريفة حدثت معي في الغربة وكان يضحك عند سماعها ,

ولكن أحسست بأن هناك شيئاً غريب , فلا أشعر بأن تعابير الفرح على وجهه حقيقة بل أظن وأجزم بأنها كاذبة .

" وأنت ما هي أخبارك يا صديقي , هيّا أخبرني لقد أخبرتك بكل شيء " قلت له

لا شيء جديد في حياتي فأنت تعلم أنني لن أتزوج حتى أؤسس نفسي وأبني مستقبلي ,

ارتسمت ضحكة ساخرة على شفتاه وهو يقول هذه الجملة ثم تابع حديثه وقال وها أنا في العمل نفسه لغاية الآن


جلست بشكل جيّد وعانقت عُقدةٌ حاجباي وقلت له

: " يا صديقي ماذا حدث أخبرني لن تكذب عليّ , فأنا أفهم حتى إيحاءاتك ونظراتك ماذا حدث وأنا هناك , هيّا تكلم "

لم أنهي جملتي الأخيرة , حتى امتلئت عيناه بالدموع , لم أستطع أن أرى هذا فأمسكت بكتفه وصرخت به

ماذا هنالك أخبرني تكلم وإلا ...

اجلس سأقول لك , قبل شهر تقريباً كنت أشعر بتعب شديد ,

اعتقدت بأنه ارهاق من العمل , فلم أُعر للموضوع أي اهتمام , ولكن كان الوضع يزداد سوءاً ,

فذهبت للطبيب , فاجأني بطلب فحوصات كثيرة , قلت في نفسي إنه أمر روتيني ,

كل الأطباء يفعلون هذا , أحضرت نتائج الفحوصات للطبيب , ماذا هنالك أيها الطبيب أخبرني !!

أنا آسف فأنت مصاب بمرض لا يَسهل الشفاء منه , لم أستطع التكلم , وكأن لساني قد رُبط !!

تابع الطبيب قائلاً هناك حلٌ واحد , عمليةٌ جراحية , ولكنها صعبة جدّاً , ونسبة نجاحها 60% !!

أو تستطيع أن تأخذ أدوية ولكنها ستخفف الألم ليس إلا !!

عملية جراحية !! ونسبة الشفاء ضئيلة ,, ما هذه المصيبة , لم أوافق على تلك العميلة فلقد كنت أشعر بالخوف ,

وافقت على استخدام الأدوية , ولكنني أشعر بأنها تضعفني أكثر فأكثر .

كنت أستمع له وأنا مصدوم , دموعٌ تفيض من عيناي , ولسانٌ يعجز عن الكلام , وقلبٌ توقف عن الخفقان .

بعد كلامه جلسنا في صمت لمدة تزيد عن ثلاث ساعات .

كنت متفائلاً دوماً وكان أملي في الله يفوق كل الحدود , تحدثت معه في الصباح التالي

" من دون نقاش سوف تقوم بإجراء العملية الجراحية غدّاً , سوف أرتب كل الأمور اليوم "

لم يجبني ولم يعر للموضوع أي انتباه .

" أتكلم معك أرجوك أجبني " تابعت كلامي

ماذا أتريد أن أذهب للمستشفى , عملية جراحية , أنت مجنون لن أفعلها .

" ستنجح العملية ثق بي !! ألست صديقك , أنا أشعر بذلك , أرجوك من أجلي , فأنا لا أريد أن أفقدك أتوسل إليك أن توافق " قلت كلامي ذاك ثم أجهشت بالبكاء .

بكى هو أيضاً , اقترب مني وحضنني , وتابع :

لا تبكي سوف أخضع للعملية !!

قمت بتجهيز كل أموره , لقد أعطانا الطبيب موعداً للعملية الجراحية , ونبهنا مرة أخرى إلى أن نسبة النجاح ضئيلة .

" ها أخبرني كيف استعدادك " كان هذا آخر ما تحدثت فيه معه .

لا أعلم ربما ستنجح أو ... , لم يكمل كلامه ثم أجهش بالبكاء , حضنته بكل قوتي , وهدأت من روعه قليلاً .

حان الموعد , جاء الأطباء ليخبروه بالتفاصيل , اصطحبوه إلى غرفة العمليات قال لي حينها :

أرجوك إن حصل لي أي شيء , لا تنساني , أحبك جدا يا صديقي , ادعوا بأن يخفف الله عنّي .

كانت صورته تتلاشى أمام عيناي شيئاً فشيئاً ..


كلامه الأخير أربكني , انقضت الساعة الأولى , الثانية , الثالثة , الرابعة , ولم أرَ أحداً من الأطباء ,

يا إلهي ماذا حدث , أخبروني بأنه سيخرج بعد ساعتان ونصف , لقد طال الوقت .

صداع بدأ يطرق باب رأسي , وأعصابي بدأت تنهار , صليت لله أن يحفظه ويعيده إليّ سالماً , رفعت يداي بكل خشوع ,

إنه صديقي يا الله , انه روحي , أرجوك , أتوسل إليك أعده سالماً , أحتاج إليه .

لقد طال انتظاري , كان التعب قد قضى عليّ , استسلمت لبعض النوم خارج غرفة الجراحة , لم أسمع صوت الباب عندما فُتح ,


أتت ممرضةٌ , ونادتني عدة مرات , فتحت عيناي أخيراً

ها ماذا حدث , أين صديقي , أخبريني هيّا , لماذا كل هذا الوقت في الداخل , أهو بخير ؟؟ ماذا حدث قولي .

لم تتكلم الممرضة فلقد صُدمت من طريقة كلامي , أسئلة متتابعة لها .

أخيراً تكلمت :


إنه في الداخل نقوم بتجهيزه !!!!!!!

ماذا تجهيزه لماذا ؟؟ مات صديقي ؟؟ أنت تكذبين ,

ماذا تقولين , لا يمكن , قلت له بأنني سأراه مرة أخرى , لقد أقنعته بأن يجري العملية

, وبانها سوف تكلل بالنجاح , وبدأت أبكي بقلب محروق .

لقد كنت في صدمة كبيرة .. !!

والممرضة تقف أمامي بلا حراك ....

لم أتكلم معها

توجهت الى باب المستشفى , وهممت بالخروج منها .


أنت , أنت توقف , قلت لك توقف , بكل برود حركت رأسي نحو مصدر الصوت .

لقد كانت الممرضة " من قال لك بأنه توفي !!! "

ألم تقولي بأنهم يقوموا بتجهيزه !!

نعم .. يجهزوه ليتم نقله إلى غرفة أخرى , صديقك على قيد الحياة !!

لقد أنقذه الأطباء في آخر لحظة .

لم تستطع قدماي أن تحملاني , أغمي عليّ في تلك اللحظة .

بعد ساعات , فتحت عيناي , وإذا بجسمي مستلقي على سرير , آه يبدو أنني في المستشفى , آوه صديقي , , ماذا حدث .

سمعت الممرضة صوتي , لا تخف إنه هنا بجانبك انظر إليه , سوف يستيقظ بعد قليل


نظرت إليه وقلت : كم كنت خائفاً عليك أيها الغبي , سوف أقتلك عندما تستيقظ

ستقتلني , لن تستطيع أيها المجنون , سأبقى أكتم على أنفاسك حتى آخر يوم في حياتي .

كان صوتاً قادماً منه , ضحكت بصوت عالي على كلماته .

استجمعت قواي وتحركت لجانبه , أهلا بك إلى جانبي مرة أخرى , لا تجعلني أخاف هكذا لقد كدت أموت من الرعب .

بصوته الحنون قال لي : لا تخف لن أتركك بإذنه تعالى , أصدقاء دوماً أيها المجنون .


بعد أسبوع : هيّا ماذا تنتظر لغاية الآن , ألم تنتهي من تجهيز نفسك " كنّا قد قررنا أن نذهب اليوم إلى البحر

أجابني : قليلاً بعد , وأخيراً ظهر أمامي , اوووه ما هذا يا رجل , تبدو متأنقاً جدا

" بالتأكيد لأكون أجمل منك " وبدأ صوت قهقهتنا يعلو .

اتجهنا للبحر


ولكن من يعلم من وجدنا هناك !!!!

مستحيل , إنه هو , ماذا , لا تنظر إليّ هكذا لن تفعلها .

بلى سأفعلها انظر فقط , قال صديقي

غاب قليلاً عني , وأتى وهو يحمل قطة بيده , وضعها بقرب ذلك الشخص , الذي ما إن رآها حتى بدأ يصرخ من الخوف , لم يتغير ذلك المعلم !! إنه كما هو !!

أتذكرونه ؟؟ لقد أخبرتكم عنه في البداية .

انتهى ذلك اليوم , كنا قد تعبنا حقاً , كان يوماً جميلاً وآخر يوم في إجازتي .

في اليوم التالي , حان موعد رحيلي , ودعته ودموعي تفيض من عيناي , سنبقى على اتصال أليس كذلك ؟؟

نعم يا صديقي لا تقلق .

وضعت يدي في يده وسلّمت عليه .


انزلقت يدي عن يده شيئاً فشيئاً , ابتعدت شيئاً فشيئاً , وانتظرت إجازة أخرى لأرى فيها

صديق روحي ...


زهرة اللوتس

9:42 pm


22\6\2010

4 التعليقات:

روح النرجس يقول...

؛

جميلة يَ لوتستي , جميلة وأسعدتني أحرفها

موهبةٌ رائعة جداً .. وأنا متابعة جداً

ودي

Wala'a Makhlouf يقول...

@روح النرجس

أهلاً بروح النرجس ، تلك الروح الرقيقة ، سعيدة جداً وجداً بمرورك ~

احترامي

jehad aledaly يقول...

رائعة سلمت يداك بس قصة شاطئ و قطة حسيتها شوي مبتذله او مش عارف شو المصطلح المناسب بس كيف بدي احكيلك كان سهل علي اني اتوقعها و هذا الاشي ما بحبو انا شخصيا و الله يعطيك العافية مرة ثانية تقبي مروري

Wala'a Makhlouf يقول...

@jehad aledaly

أهلاً بك .. تواجدك الأروع ، أما عن قصة القطة غيرك لم يتوقع ذلك فهي قدرات مُتفاوتة ، وآراء مُتفاوتة .. وعن رأيك أحترمه جداً ويسرّني أنك أدليت به ، أهلاً بك مرة أخرى :)

إرسال تعليق